شبهة البيعة للمرشد

السؤال

كثير من الناس ينتقد البيعة للمرشد، ويري أن البيعة ينبغي أن تكون للحاكم فقط، وألا تتجاوز حدود ذلك.

الإجابة

ونقول: إن البيعة كانت معهودة منذ القدم وكانت معروفة في عهد الرسالات السابقة، وكان أصحاب الأنبياء يبايعونهم إما علي النصرة والحماية، وإما علي إعلاء كلمة الله تعالي، وتشير إلى هذا آية سورة الصف في قوله تعالى :” كما قال عيس ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فأمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين” (الصف: 14). وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث عن رسول الله (صلي الله علية وسلم)، أما في شرعنا فإن رسول الله !ته قد بايع الناس في مواقف متعددة واختلفت طرق البيعات اختلافا كثيرا، فمن أشهر البيعات السابقة علي الهجرة بيعة الأنصار ليلة العقبة، وقد بايعوه علي نحو بيعة النساء المذكورة في سورة الممتحنة في قوله تعالى :” يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك علي أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرفن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم” ( الممتحنة، 12). ثم بايع الرسول (صلي الله علية وسلم) بعدها الأنصار بيعة أخرى حين قدم المدينة وآخي بين المهاجرين والأنصار، وآخن بين المهاجرين أنفسهم، وتلك البيعة كتب فيها كتاب، أمر الرسول بر!ص بكتابته ولم يرد كثير من تفاصيل الأمور فيها، ثم بايعهم بيعة أخرى عندما أراد غزوة بدر فبايعوه علي القتال، وكانوا قبل ذلك إنما بايعوه علي الحماية، مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم، ثم من أشهر البيعات بعد هذا بيعة الرضوان التي بايع عليها أصحابه بالحديبية تحت الشجرة، وهذه البيعة التي خلدها الله تعالى في سورة الفتح في قوله: مطر نقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة * (الفتح: 18)، وكانت بيعة علي الموت حب ما جزم به كثير من أصحاب رسول الله (صلي الله علية وسلم) الذين بايعوه عليها، وقد أنكر ذلك ابن عمر وذهب إلي أنها فقط كانت علي القتال وألا يفروا عنه، ومعني ذلك أن ابن عمر أنكر من قال بايعناه علي الموت بزعم أن القائل لذلك أنهم سيبذلون أنفسهم حتى الموت، والمقصود أنهم لا يفرون عنه، وهذه هي البجعة علي الموت لأن الشخص إذا كان سيصبر مهما كلفه ذلك الأمر فمعناه أن سيستعد للموت وسيبذل نفسه في سبيل المبايع، وهذه البيعة هي التي أكدها الله في كتابه في قوله:” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم" * (الفتح: 10). وقد روي عن الرسول” بيعات غير هذه، من ذلك أنه بايع أبا بكر وتسعة من أصحابه آخرين بيعة خاصة، وهي ألا يسألوا أحدا شيئا، وكان أبو بكر وهو خليفة إذا سقطت عصاه لم يكن يأمر أحدا أن يناوله إياها بل ينزل إليها حتى يأخذها، لأنه بايع رسول الله (صلي الله علية وسلم) علي ألا يسأل أحدا شيئا. وكذلك بايعه بعض أصحابه الذين أسلموا بدون قتال بايعوه بيعة خاصة من ذلك بيعة عمرو بن العاص التي هي في صحيح البخاري بايعه علي أن يغفر له ما تقدم من ذنبه، فقال له:”أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله، والهجرة تجب ما قبلها". وكذلك بيعة خالد بن الوليد، ومن ذلك بيعة جرير بن عبدالله التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما أنه قال: بايعني رسول الله (صلي الله علية وسلم) علي إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فشرط علي والنصح لكل مسلم، وكذلك بيعة ضمام بن ثعلبة الذي جاء من قبل نجد فقال بعد أن التزم ما علمه رسول الله (صلي الله علية وسلم) فقال:”وأنا رسول من ورائي” فكانت البيعة لنفسه وللذين أرسلوه بطريق النيابه. وكذلك بايع النجاشي جعفر بن أبي طالب لرسول الله إلى بالنيابة عنه، وكتب إليه كتابا بذلك. ومثل ذلك كثير من البيعات التي تكون منوعة فكل هذا التنوع يدلنا علي أن البيعة ليست ثابتة علي منهج موحد وأنها قابلة للتغيير بحسب الحال،،بيعة النساء تختلف عن البيعة علي القتال، وتختلف عن البيعة علن الموت وهكذا. فهذا التطور يدلنا علي أن البيعة ليست مثبتة علي وضع واحد لا يتغير، وأنها تتطور مع المصلحة، وإذا نظرنا إلي المصلحة المتوخاة من البيعة فإننا نعلم أنها رباط وعهد بين الشخصين، وأيضا يكون الحق المترتب عليها من السمع والطاعة والامتثال والالتزام بالأوامر يكون حقا ناشئا عن عقد، وهذا أثبت الحقوق وأوثقها، فإن الحقوق تنقسم إلى قسمين: حقوق غير ناشئة عن عقد، وهذه وإن كانت موكدة مثل حقوق الله علي عباده بأن يعبده ولا يشركوا به شيئا، ومثل حقوق الوالدين في برهما والسمع لهما وطاعتهما والدعاء لهما ونصيحتهما. إلا أن القسم الثاني من الحقوق وهو الناشئ عن عقد أيضا تتعلق بمروءة الشخص، فإذا لم يف بها فإنه قد أخل بمروءته والتزامه، وكان كمن لا ذمة له ولا عقد، وهذه العقود منها مثلا عقد النكاح الذي سماه الله تعالى ميثاقا غليظا، وكذلك عقد البيع، وعقد الشركة، وعقد الحلف، التي فسر بها زيد بن أسلم - رحمه الله تعالى - قوله تعالي:” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” (المائدة: 1). فعلي هذا فإن تنوع البيعة يكون ناشئا عن المصلحة، فإذا كان المقصود بها الرباط الروحي الذي يربط المبايع والمبايع فكان ذلك مدعاة لعلاقة دنيوية سببها عقد، مع أن النسب غير موجود بين المبايع والمبايع، وإنما جاء الربط بسبب هذه البيعة والالتزام كان لذلك تسمي صفقة اليمين كما في قوله تعالي:”أيما رجل بايع أميرا فأعطاه سويداء قلبه وصفقة يمينه لا يبايعه إلا علي عرض من الدنيا إن عطاه رضي وإن منعه سخط، فقد برئت منه ذمة الله ورسوله”، أو كما قال الرسول ج لمج!لأ في الحديث المعروف. فهذا يدل علي أن المقصود بالبيعة هو الرباط الروحي أساسا، ولهذا قال أعطاه سويداء قلبه، فالمقصود محبة وطاعة، وكذلك قوله صفقة يمينه تدل علي أن المقصود هنا انعقد حتى يكون الحق بين الطرفين ناشئا عن عقد، وعلي هذا فقد كان بعض الناس يشترط بعض الشروط فيه، وهذه الشروط تشترط في بعض الأحيان علي المبايع وتشترط على المبايع، فمثلا لما طالب يزيد بن معاوية أهل المدينة بالبيعة له في واقعة الحرة، شرط علي كل من يبايع له أن يبايع أنه يطيع لأمير المؤمنين، معناه أنه مطيع طاعة التابع إلا علي بن عبدالله بن العباس فقد قام أخواله بنو الحارث بن كعب فقالوا بل يبايع علي أنه ابن عم أمير المؤمنين، فبايع علي أنه ابن عم أمير المؤمنين. وعلي هذا فإن تطور البيعة إذا أمر طبيعي وللنظر إلي واقعة البيعة عبر التاريخ، فلما مات رسول الله (صلي الله علية وسلم) ونقله الله إلي دار الكرامة لم يأمر ببيعة أحد من الصحابة ولا عهد بها لأحد بعده، فاتفق أن الأنصار قد اجتمعوا ورأوا أنه لا يمكن أن يترك الناس هملا دون إمام، وحاولوا أن ينصبوا إماما يبايعونه، فرشحوا لذلك سعد بن عبادة بن دليم، واجتمعوا لبيعته في سقيفة بني ساعدة، فكانت المبادرة لهم ولم تكن لقريش في ذلك الوقت مبادرة إلا بعض الآراء الفردية، فمثلا كان أبو سفيان بن حرب يميل إلى أن يبايع علي بن أبي طالب، وقال هذا لجبر خاطر بني هاشم وفيه إصلاح لقريش وهو أولن الناس بهذا لقرابته وصهارته وخالفه المهاجرون السابقون الأولون فلم يروا أن يبايعوا قبل دفن رسول الله (صلي الله علية وسلم) فلم يتفقوا علي أحد، وفي هذا يقول أحد شعراء قريش: حمدا لمن هو بالثناء خليق ذهب اللجاج وبويع الصديق كنا نقول لها علي والرضا عمرو أولاهم بتلك عتيق فكانوا يرشحون هؤلاء الأشخاص الثلاثة: علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق، فلما علم المهاجرون بأن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لبيعة سعد، انطلق إليهم ثلاثة من المهاجرين هم أبو بكر، وعمر، وعبيدة بن الجراح، فكلموهم بالكلام المشهور المعروف، ثم اتفق رأي الجميع أن يبايعوا أبا بكر الصديق، وقالوا رضيك رسول الله (صلي الله علية وسلم) لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟.. فانعقدت البيعة له وبايعه المهاجرون أيضا، ثم بايعه عموم الناس في المسجد ولم يتخلف عنه إلا نفر قليل من أصحاب رسول الله (صلي الله علية وسلم)، فلم يبايعه سعد بن عبادة لما كان في السقيفة وتأخر علي بن أبي طالب شهرا ولم يبايعه، ومع ذلك فقد استمرت إمامته منذ دفن رسول الله (صلي الله علية وسلم)، ولم يضره أن بعض الأفراد لم يبايعوه فانعقدت البيعة عليهم ببيعة الجميع. ولما حضرت أبا بكر الوفاة عهد بالأمر إلى عمر، وكتب له كتابا بذلك وبايع الناس عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -بيعة المسجد، ثم لما جرح عمر وحضره الموت عهد بالأمر إلي أهل الشورى الستة الذين توفى رسول الله (صلي الله علية وسلم) وهو عنهم راض، وعلي أن يختاروا أحدهم للخلافة وهم أول الناس بذلك، وهم الذين يدور عليهم الأمر، فتنازل ثلاثة لثلاثة وتنازل الثالث للاثنين بشرط أن يجعل الاختيار له وهو عبدالرحمن بن عوف، فاختار بيعة عثمان، وبقيت البيعة بعده لعلي، ثم لما قتل عثمان كانت البيعة من عهد عمر لعلي بن أبي طالب، بسبب تنازل إخوانه، ثم بعد علي كانت ستعود لبقية الستة فلم يكن أحد منهم حيا وقت قتل علي بن أبي طالب غير سعد بن أبي وقاص، فكان اللازم أن يبايع سعد، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فتجدد نوع آخر من البيعة وبايع معاوية الناس علي شروط شرطها عليهم وأيمان يقسمونها، وكذلك كما ذكرنا طالب يزيد الناس علي بيعة أخرى ، فتطور الأسلوب عبر التاريخ. وهكذا كانت تشترط الأيمان بالطلاق والعتاق، مع أن الرسول (صلي الله علية وسلم) نهي عن الحلف بهما وقال:”من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت”، وقال:”من حلف له بالله فليرض”، ومع هذا فقد جاء الملك العاض وأجبر الناس علي هذه الأيمان، وأفتي بعض العلماء بعدم لزوم هذه الأيمان، ورأي أن ذلك من الإكراه، ومن هؤلاء العلماء الإمام مالك أبو عبدالله رحمه الله تعالى . وكل هذه التطورات عبر التاريخ في أسلوب البيعه وفي متضمنها وطريقتها، بالإضافة إلي بعض التطورات التي طويناها ولم نشر إليها، مثل تفريق الرسول (صلي الله علية وسلم) بين أصحابه في البيعة،كذلك في بيعة النساء فقد اختلفت الأساليب، فروي أنه كان يدخل يده في إناء فيه ماء ثم يغمس النساء أيديهن في ذلك الإناء، وروي أن عمر كان يبايع الناس بالنيابة عنه، وروي أنه كان يبايعهن من وراء ردائه، وكل هذه الأحاديث فيها مطعن لأهل العلم، والثابت عنه (صلي الله علية وسلم) أنه كان يبايعهن بالكلام، ولم يكن يبايعهن بصفقة اليد، ولذلك قال:”إني لا أصافح النساء، وإنما مقال لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"، فهذه التطورات في البيعة كلها ترشدنا إلي أن البيعة ليست ثابتة علي منهج محدد فهي تدور مع المصلحة حيث دارت. ولاشك أن كون القائد أو الأمير واحدا هو الأصل وهو المطلوب الشرعي والموافق للمقصد في عدم التنازع وعدم التشاكس، ولكن اقتضت الضرورة قيام بيعات أخرى ، وأصل البيعة هي العهد علي الطاعة في المعروف شرعا. والأصل أن الإمام إذا أعطي بيعة قام بمصالح المسلمين وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر لأنه لابد من سلطة تتحمل عبء الدعوة إلي الله تعالى لتبليغها إلي آفاق الأرض، لابد من سلطة مؤمنة مجاهدة، ترتبط بحبل الله وحبل الأخوة في الله، سلطة تقوم على هاتين الركيزتين لتحقيق منهج الله في الأرض وإقراره في الحياة الإنسانية ومباشرة تنفيذه في الداخل والخارج. والدعوة إلى الله والأمر بم المعروف والنهي عن المنكر وإقرار الخير بين الناس. تكليف شديد وليس بالأمر الهين أو اليسير، إذا نظرنا إلى طبيعته وإلى اصطدامه بشهوات الناس ونزواتهم وأهوائهم ومصالحهم ومنافعهم، وغرور بعضهم وكبرياء الآخر، وفيهم الجبار الغاشم، وفيهم الحاكم المتسلط وفيهم الهابط والمنافق الذي يكره الجد، وفيهم المسترخي الذي يكره الصعود، وفيهم المنحل الذي يكره الفضيلة، وفيهم الظالم الذي يمقت العدل، وفيهم المنحرف الذي يكره الاستقامة. وهؤلاء وأولئك يحتاجون إلى تكاتف ورعاية حتى تستطيع الدعوة أن تطوعهم للخير ويستطيع الدعاة أن يجدوا منهم آذانا صاغية وقلوبا مفتوحة تنقلهم نقلة كريمة إلى منهج الله وهديه. إن إقامة هذه السلطة ضرورة من ضرورات قيام المنهج ذاته، فمنهج الله في الأرض لا يقوم بمجرد الوعظ والإرشاد والبيان فقط وإن كان هذا يمثل شطرا من الدعوة أما الشطر الباقي فهو قيام سلطة وقيادة تحمل منهج الله في الأرض، وتقوم به وتبلغه للناس بما ترسمه من الوسائل والخطط وبما تنظمه من إمكانات وتدربه من دعاة وتبثه من إعلام، ثم تحيط كل ذلك بسياج وحماية ورعاية كما تقوم تلك السلطة بصيانة تقاليد الجماعة وحمايتها من أن يعبث بها كل ذي هوي وكل ذي شهوة وكل ذي مصلحة. علي هذا قامت الجماعة الأول في المدينة، واستمرت به الدعوة الإسلامية بعد ذلك في العصور الإسلامية المجيدة، حيث كانت يتنفس في رحابها هذا المنهج ويتحقق في صورته الواقعية، المعروف فيها هو الخير والفضيلة والعدل، والسيادة فيها لأوامر الله، والمنكر فيها هو الشر والرذيلة والباطل والظلم، عمل الخير فيها أيسر من عمل الشر، والحق فيها أقوي من الباطل والعدل أنفع من الظلم، فاعل الخير فيها يجد علي الخير أعوانا وصانع الشر يجد مقاومة وخذلانا. للمحسن فيها أجر إحسانه، وللمسيء فيها جزاء بطلانه، تعطي للرجال منازلهم وللأبطال أماكنهم، ولأهل الحق درجاتهم، لا يضيع فيها أجر المحسنين أو ثواب العاملين، أو جزاء المخلصين، لهدا طوف الإسلام في أرجاء الأرض وشرق وغرب ودخل الناس في دين الله أفواجا. ولكن إذا لم تكن هناك سلطة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر أو منعت السلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هل يستكين الناس، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فريضة لازمة؟ وهل ينتظرون سلطان ؟ وهل يشترط للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذن الإمام أو الحاكم ؟ قال العلماء: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لأحاد المسلمين ولا يشترط له إذن الإمام أو الحاكم. قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم علي التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية إذن من الإمام . قال الإمام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه في ذلك: واستمرار عادات السلف علي الحسبة علي الولاة أي أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر قاطع بإجماعهم علي الاستغناء عن التفويض أو الإذن في ذلك، بل كان من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك، وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلي إذنه في الإنكار عليه ويدل علي ذلك عادة السلف وما روي عنهم في الإنكار علي الأئمة”. رأي الإمام محمد عبده في وجوب إقامة جماعة للدعوة إلى الله: قال الإمام محمد عبده - رحمه الله -: الدعوة في الصدر الأول قد تيسر بغير تعليم صناعي ولا تأليف جمعيات معينة، أما في هذا الزمان فإنه يتوقف فهم الدين علي التعلم الصناعي، وتتوقف الدعوة إليه، والأمر بما جاء به من المعروف وما حظره من المنكر علي تعليم خاص وتأليف جمعيات خاصة تقوم بهذا العمل، ولا ينتشر الدين ولا يحفظ علي وجهه إلا بهذا كما تقدم التنويه به في قوله تعالى :"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير”، (السورة). فالمراد التنويه به، فالمراد بالأمة التي ذ قيمها الأمة لذلك ما يعبر عنه في عرف هذا العصر بالجمعية. قال الأستاذ الإمام: ومن أعمال هذه الأمة الأخذ علي أيدي الظالمين، فإن الظلم أقبح المنكر، والظالم لا يكون قويا ولذلك اشترط في الناهين عن المنكر أن يكونوا أمة، لأن الأمة لا تخالف ولا تغلب كما تقدم، فهي التي تقوم عوج الحكومة والمعروف أن الحكومة الإسلامية مبنية علي أصل الشورى، وهذا صحيح والآية أدل دليل عليه ودلالتها أقوي من قوله تعالى :” وأمرهم شورى بينهم" * (الشوري: 38)، لأن هذا وصف خبري لحال طائفة مخصوصة أكثر ما يدل عليه أن هذا الشيء ممدوح في نفسه محمود عند الله تعالي، وأقوي من دلالة قوله:” وشاورهم في الأمر" * (آل عمران: 159)، فإن أمر الرئيس بالمشاورة يقتضي وجوبه عليه ولكن إذا لم يكن هناك ضامن يضمن امتثاله للأمر فماذا يكون إذا هو تركه ؟ وأما هذه الآية فإنها تفرض أن يكون في الناس جماعة متحدون أقوياء يتولون الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو عام في الحكام والمحكومين، ولا معروف أعرف من العدل ولا منكر أنكر من الظلم، وقد ورد في الحديث” لابد أن يأطروهم علي الحق أطرا". ثم يقول الأستاذ الإمام محمد عبده –رحمه الله تعالي-: ما مثاله مع شيء من التفصيل: إذا كان كل فرد من أفراد المسلمين مكلفا الدعوة إلن الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقتضى الوجه الأول في تفسير الآية، فهم مكلفون بمقتضى هذا الوجه الثاني أن يختاروا أمة منهم تقوم بهذا العمل لأجل أن تتقنه وتقدر علي تنفيذه إن لم يوجد ذلك بطبعه كما كان في زمن الصحابة، فإقامة هذه الأمة الخاصة فرض عين يجب علي كل مكلف أن يشترك فيه مع الآخرين، ولا مشقة في هذا علينا، فإنه يتيسر لأهل كل قرية أن يجتمعوا ويختاروا منهم من يرونه أهلا لهذا العمل، وعبارة الأستاذ: ويختاروا واحدا منهم أو أكثر، كأنه يريد بالواحد أن ينضم إلى من يختار من سائر القرى والبلاد لأجل الضرب في الأرض للدعوة إلى الإسلام في غير بلاده، أو لإقامة بعض الفرائض والشعائر، أو إزالة بعض المنكرات من بلد آخر من بلاد المسلمين، وإلا فالواجب علي أهل القرية أن يختاروا جماعة يصح أن يطلق عليهم لفظ”الأمة" ويعملوا ما تعمله بالاتحاد والقوة ليتولوا إقامة هذه الفريضة فيها، كما يجب ذلك في كل مجتمع إسلامي سواء كان في الحواضر أو البوادي، فإن معني الأمة يدخل فيه معني الارتباط والوحدة التي تجعل أفرادها علي اختلاف وظائفهم وأعمالهم - حتى في إقامة هذه الفريضة عند تشعب الأعمال فيها -كأنهم شخص واحد كما هو ظاهر وصرح به الأستاذ في هذا المقام. قال: وهذه الأمة يدخل في عملها الأمور العامة التي هي من شأن الحكام وأمور العلم وطرق إفادته ونشره، وتقرير ا لأحكام وأمور العامة الشخصية، ويشترط فيها العلم بذلك، ولذلك جعلت أمة، وفي معني الأمة القوة والاتحاد، وهذه الأمور لا تتم إلا بالقوة ؟الاتحاد، فالأمة المتحدة لا تقهر ولا تغلب من الأفراد، ولا تعتذر بالضف يوما ما، فشرك ما عهد إليها، وهو ما لو ترك لتسرب الفساد إلى مجموع المسلمين . إلي أن قال: ثم إن كون القائمين بالأمر والنهي أمة يستلزم أن يكون لا رياسة تدبرها، لأن أمر الجماعة بغير رياسة يكون مختلا معتلا، فكل كون لا رياسة فيه فاسد، فالرأس هو مركز تدبير البدن وتصريف الأعضاء في أعمالها، وكذلك يكون رئيس هذه الأمة مصدر النظام وتوزيع الأعمال علي العاملين، فمنهم من يوجهون إلى دعوة غير المسلمين إلي الإسلام، ومنهم من يوجهون إلى إرشاد المسلمين في بلادهم، ومقام الرياسة يختار بالمشاورة لكل عمل، ولكل بلاد من يكونون أكفاء للقيام بالواجب فيها، لتكون أعمالهم مؤدية إلى مقصد الأمة العام، فإن معني الأمة أن يكون للأفراد الذين تتكون منهم وحدة في القصد من أعمالهم وسيرهم فإذا اختلفت المقاصد فسد العمل باختلاف الآراء وتنكيث القوي، ولذلك جاء بجد هذه الآية النهى عن التفرق والاختلاف. إذن فالتعاهد علي الدعوة وعلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبيعة عليه لازمة، لقوله تعالى :” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة: 2)، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. هذا وقد أخذ الرسول (صلي الله علية وسلم) بيعات كثيرة علي الإسلام وعلي البر والتقوى منها: 1 - البيعة علي السمع والطاعة. 2 - البيعة ألا ننازع الأمر أهله. 3-البيعة علي قول الحق. 4 - البيعة علي القول بالعدل. 5 - البيعة علي الأثرة. 6-البيعة علي النصح لكل مسلم. 7-البيعة علي عدم الفرار. 8-البيعة علي الموت. 9 -البيعة علي الجهاد. 10 -البيعة علي الهجرة. 11 -البيعة فيما أحب الإنسان وكره. 12 -البيعة علي ألا ننوح. 13 -البيعة فيما يستطيعه الإنسان من الخير. 14 -البيعة علي الإسلام. 15 -البيعة علي الطاعة. 16 - البيعة علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه البيعات روتها كتب السنة الصحاح مثل البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي والإمام أحمد.. عن جابر بن عبدالله قال في البيعة: فقلنا يا رسول الله علام نبايعك قال: تبايعوني على السمع والطاعة فى النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومه لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة.. فقمنا نبايعه فاخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين، فقال رويدا يا أهل يثرب: إتا لم نضرب إليه أكباد المطى إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارت العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مشتكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه و أجركم على الله عز وجل، لم أما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند اسه، قالوا، يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك فو الله لانذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلا رجلا يأخذ علينا بشرطة العباس ويعطينا على ذلك الجنه . أخبرنا الحسن بن أحمد قال: حدثنا أبو الربيع قال أنبأنا حماد قال حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية قالت: اخذ علينا رسول اسه جم!ز البيعة على أن لا نوح . بايع رسول الله (صلي الله علية وسلم) النسوة علي أن يتخلين عن النوح المحرم، وهذا شيء كان يكفي فيه الأمر، ولكنه حصلت فيه بيعة. البيعة على النصح لكل مسلم: أخرج أحمد عن جرير قال: بايعنا رسول الله (صلي الله علية وسلم)، علي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. وهكذا وردت الأحاديث الكثيرة في كثير من البجعات ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر الإسلام، وتحمل التبعات الجسام في سبيل ذلك، ومنها الجهاد. ولما كان الإسلام قد جعل التخلف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كبيرة وترك فريضة، ولم يجعل في هذا إذنا لأحد ولا للسلطة كما ذكرنا، فإن إقامة أحكام الإسلام وإعادة وحدة المسلمين فريضة علي كل مسلم، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بتعاون المسلمين، وإقامة جماعة، ولهذا قال لمج!لأ”من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية". وقد أورد الشاطبي في الاعتصام أن الجماعة هنا إما جماعة أهل الإسلام، أو جماعه الإمام وأهل الحل والعقد، أو جماعة المجتهدين. ولما كانت القاعدة، أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فقد انتهي الإمام حسن البنا إلى أن إعادة الخلافة والوحدة الإسلامية، وحكم الإسلام لا سبيل له إلا عن طريق إقامة جماعة وتعاون من الجميع، حتى تكون عصبة للحق وسندا للدفاع عنه وتحقيقه في الأمة، ولهذا يقول عمر بن الخطاب ذاكرا فضل الجماعة في الإسلام:” لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بطاعة، ولا طاعة إلا ببيعة". فإذا كانت البيعة في المعروف وعلي نصرة الإسلام وإقامة حدوده أفلا يكون هذا هو صلب الإسلام وصلب دعوته، وهو الحق الذي لا مريه فيه في هذا الزمان وغيره.

« المخابرات البريطانية والاخوان المسلمين »«المخابرات البريطانية أسست مع حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين! »يردد البعض شبهة مفادها أن...

يقولون إن بعض أفراد الجماعة يعتنون بجمع الصور، وكذلك بتصوير بعض المشاهد، وتصوير بعض الحفلات، وتصوير بعض الأنشطة، وقد حذر...

يتساءل البعض عن الاشتراك المالي زمن الأستاذ البنا وتأصيله شرعا.

كثير من الناس ينتقد البيعة للمرشد، ويري أن البيعة ينبغي أن تكون للحاكم فقط، وألا تتجاوز حدود ذلك.

ضحايا الإعدام

خلال 7 سنوات أصدرت السلطات القضائية بمصر 1558 حكما بالإعدام (أوليا) في قضايا ذات طابع سياسي وتطالب جهات حقوقية محلية ودولية تقول إن الإعدامات جاءت بأحكام "مسيسة" فيما تنفي القاهرة ذلك وترفض أي مساس بالقضاء
iphone